إن الإسلام دين الفطرة التي قال فيها الحق سبحانه((فِطْرَتَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)) وتتمثل هذه الفطرة في طهارة المسلم ظاهراً وباطناً، فـأمـا طهارة الباطن فهـي متعلقة بالقلب وتعني تطهير النفس الإنسانية من الشرك بالله ، وتتطـلـب إخــلاص العـبادة لله وحده لا شريك له ، والقيام بالأعمال الصالحة والأفعال الخيرة . وأما طـهـارة الـظـاهر فهي الفطرة العملية التي تشتمل على كل ما كان متعلقاً بجمال المظهر عند الإنسان المسلم وحسن سمته . لما في ذلك من ملاءمة للفطرة السوية التي خلق الله الإنسان عليها ، والتزام بهدي النبوة المبارك. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جــزءاً مـن النبوة" رواه أبو داوود .
ولأن الإسلام هو دين الفطرة الذي عرف أسرارها ، فقد قدم لها ما يُصلحها وما يصلح لها من تعاليم وسنن وتوجيهات جاءت كالثوب الـمـنـاسـب لمختلف الأعضاء ، والملائم لشتى الأبعاد . لذلك كله جاءت سنن الفطرة لتشكل رافداً مــن روافــد الـتـربية الجمالية في حياة المسلم ، ولتعرض نموذجاً مثالياً لحياة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كما إنهـا تحقـق مـعـنـى التوازن الذي تفتقده جميع الفلسفات البشرية التي عرفها الإنسان قديماً وحاضراً حيث إنـهـا ترتكز مرة على الجانب الجسدي ، ومرة على الجانب العقلي ، وأخرى على الجانب الـنفـسي .
كل هذا يعني أن سنن الفطرة تضع الشخصية المسلمة في وضع متوازن عادل يمثل الوسطية المطلوبة فلا إفراط ولا تفريط . وليس هذا فحسب بل إن هـذه الـسـنـن فـي مجـموعها تمنح الإنسان تكريماً إلهياً يأتي كأبدع ما يكون التكريم .
سنن الفطرة نموذج تربوي نبوي :-
تحتاج كل تربية إلى نموذج واضح يجسد معالم هذه التربية ويوضح تعاليمها بصورة واقعية تنقل المجرد إلى محسوس ، والقول إلى عمل ، والنظرية إلى تطبيق .
وفي التربية الإسلامية لا يوجد أعظم ولا أكمل ولا أفضل من شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - لتكون نموذجاً حياً ، وقدوة حسنة للإنسان المسلم في كل زمان ومكان . ولا ريب فهو من اصطفاه ربه -جلا وعلا- وقال فيه : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) [الأحزاب 21] . وهو الذي بعثه الله لأمته معلماً ومزكياً ومربياً . قال تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ)) [آل عمران 164] . وهو الذي مدحه ربه سبحانه بما منحه فقال له سبحانه في كلمات موجزات : ((وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم 4] . فكان كل خلق فاضل وسلوك سليم متمثل في حياة رسول الله وشخصيته المتكاملة التي استوعبت كل جوانب الحياة .
وبذلك جسَّد الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهج التربية الإسلامية السامية في الواقع العملي لحياته متمثلاً في سنن الفطرة . من هنا كان للمحافظة على هذه السنن أثر تربوي عظيم يتمثل في أن التزام المسلم بها وتطبيقه لها في واقع حياته.