إن المتجول في رياض القرآن يري بوضوح أنه يريد أن يغرس في عقل كل مؤمن و قلبه الشعور بالجمال المبثوث في أجزاء الكون من فوقه و من تحته و من حوله : في السماء ، و الأرض ، و النبات ، و الحيوان ، والإنسان .
في جمال السماء يقرأ قوله تعالي : ( أَفَلَمُ يَنظرواُ إِلَى السَمَاءِ فَوُقَهمُ كَيُفَ بَنَيُنَهَا وَ مَا لَهَا مِن فروِجِ) سورة ق (6).(وَلَقَدُ جَعَلُنَا فِي السَمَاءِ بروجَاَ وَزَيَنَهَا لِلنَاظِرِينَ) سورة (16).
وفي جمال الأرض و نباتها يقرأ : ( وَالأرُضَ مَدَدُنَهَا وَأَلُقَيُنَا فِيهَا رَوَسِيَ وَأَنبَتُنَا فِيهَا مِن كلِ زَوُجِ بَهِيِجِ) سورة ق (7). (وَأَنزَلَ لَكم مِنَ السَمَاءِ مَاءَ فَأَنبَتُنَا بِه حَدَائِقَ ذَاتَ بَهُجَةِ ) سورة النمل(60) .
و في جمال الحيوان يقرأ: ( وَ لَكمُ فِيهَا جَمَال حِينَ ترِيحونَ وَ حِينَ تَسرَحونَ) سورة النحل (6) .
و في جمال الإنسان يقرأ: (وَ صَوَرَكمُ فَأَحُسَنَ صوَرَكمُ ) سورة التغابن(3) ، (الَذِي خَلَقَكَ فَسَوَك فَعَدَلَكَ * فِي أَيِ صوَرَةِ مَا شَاءَ رَكَبَكَ ) سورة الانفطار.
إن المؤمن يري يد الله المبدعة في كل ما يشاهده في هذا الكون البديع ،و يبصر جمال الله في جمال ما خلق و صَور ، يُري فيه بسم الله الحمن الرحيم ( صنُعَ اللَهِ الَذِي أَتُقَنَ كلَ شَيُءٍ ) سورة النمل(33) ، ( الَذِي أَحُسَنَ كلَ شَيُءٍ خَلَقَه, ) سورة السجدة(7).
و بهذا يحب المؤمن الجمال في كل مظاهر الوجود من حوله ؛ لأنه أثر جمال الله -جل و علا- .
و المؤمن يحب الجمال كذلك ؛ لأن «الجميل» اسم من أسمائه تعالي الحسنى و صفة من صفاته العلا . و هو يحب الجمال أيضاً ، لأن ربه (جميل يحب الجمال ).
يقول الله تعالي في الامتنان بالأنعام : (وَ الأَنُعَمَ خَلَقَها لَكمُ فِيهَا دِفُ ءٌ وَمَنَفِع وَ مِنُهَا تَأُكلونَ) النحل (5) ، و في هذا تنبيه على جانب المنفعة والفائدة ، ثم يقول : ( وَ لَكمُ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ ترِيحونَ وَ حِينَ تَسُرَحونَ) النحل (6) ، فهذا تنبيه على جانب الجمالي ، حيث يلفتنا إلى هذه اللَوحة الربانية الرائعة، التي لم ترسمها يد فنان مخلوق ، بل رسمتها يد الخالق سبحانه .
و في نفس السياق يقول سبحانه : ( وَالُخَيُلَ وَ الُبِغَالَ وَ الُحَمِيرَ لِتَرُ كَبوها وَزِينَة ) النحل فالركوب يحقق منفعة مادية مؤكدة ، أما الزينة فهي متعة جمالية فنية ، بها يتحقق الكامل للوفاء بحاجات الإنسان ، و في هذا السياق من نفس السورة امتن الله تعالي بتسخير البحر فقال : ( وَ هوَ الَذِي سَخَرَ الُبَحُرَ لِتَأُكلواُ مِنُه لَحُمَاَ طَرِيَاَ وَ تَسُتَخُرِجواُ مِنُه حِلُيَةَ تَلُبَسونَهَا ) النحل (14) ، فلم يقصر فائدة البحر على العنصر المادي المتمثل في اللحم الطري الذي يؤكل ، فينتفع به الجسم ، بل ضم إليه الحلية التي تلبس للزينة ، فتستمتع بها العين والنفس .
وهذا التوجيه القرآني تكرر في أكثر من مجال ، ومن ذلك : مجال النبات والزرع والنخيل والأعناب والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه ، يقول تعالى في موضع من سورة الأنعام : (كلواُ مِن ثَمَرِهِ إذا أَثُمَرَ وَ ءَ تواُ حَقَه, يَوُمَ حَصَادِهِ وَ َلا تسُرِ فواُ ) الأنعام(141),و في موضع آخر من نفس السورة يقول بعد ذكر الزرع و جنات النخيل والعنب ( انظرواُ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثُمَرَ وَيَنُعِهِ إِنَ فِي ذَلِكمُ َلايَتِ لِقَوُمَ يؤُمِنونَ) الأنعام(141)
فكما أن الجسم في حاجة إلي الاستمتاع بالنظر إلي ثمره إذا أثمر ينعه . و بهذا يرتفع الإنسان أن يكون همه الأول أو الأوحد هو هم البطن !